فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى ميمون بن مهران أن فنحاص اليهودي لما أنزل قوله: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] قال احتاج رب محمد. فسمع بذلك عمر فاشتمل على سيفه وخرج في طلبه. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى رده. وقوله: {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} قال ابن عباس لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عقاب الأمم الخالية. وذكرنا تفسير أيام الله عند قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5] وأكثر المفسرين يقولون إنه منسوخ. وإنما قالوا ذلك لأنه يدخل تحت الغفران أولا يقتلوا. فما أمر الله بهذه المقاتلة كان نسخًا. والأقرب أن يقل إنه محمول على ترك المنازعة في المحقرأت على التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية والأفعال الموحشة.
ثم قال تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي لكي يجازي بالمغفرة قومًا يعملون الخير. قإن قيل: ما الفائدة في التنكير في قوله: {ليجزي قَوْمًا} مع أن المراد بهم هم المؤمنون المذكورون في قوله: {قُل لّلَّذِينَ ءآمنوا}؟ قلنا التنكير يدل على تعظيم شأنهم كأنه قيل: ليجزي قومًا وأي قوم من شأنهم الصفح عن السيئات والتجاوز عن المؤذيات وتحمل الوحشة وتجرع المكروه. وقال آخرون معنى الآية قل للمؤمنين يتجاوزوا عن الكفار. ليجزي الله الكفار بما كانوا يكسبون من الإثم. كأنه قيل لهم لا تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن. ثم ذكر الحكم العام فقال: {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون {وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} مثل ضربه للكفار الذين كانوا يقدمون على إيذاء الرسول والمؤمنين وعلى ما لا يحل. فبيّن تعالى أن العمل الصالح يعود بالنفع العظيم على فاعله. والعمل الرديء يعود بالضرر على فاعله. وأنه تعالى أمر بهذا ونهى عن ذلك لحظ العبد لا لنفع يرجع إليه. وهذ ترغيب منه في العمل الصالح وزجر عن العمل الباطل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ ولتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده. وبيّن أنه خلق ما خلق لمنافعهم.
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مِّنْهُ} يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسانٌ منه وإنعام.
وقرأ ابن عباس والجحدرِي وغيرهما {جَمِيعًا مِنّةً} بكسر الميم وتشديد النون وتنوين الهاء. منصوبًا على المصدر.
قال أبو عمرو: وكذلك سمعت مسلمة يقرؤها {مِنّةً} أي تفضلًا وكرمًا.
وعن مسلمة بن محارب أيضًا {جميعًا مَنُّهُ} على إضافة المنّ إلى هاء الكناية.
وهوعند أبي حاتم خبر ابتداء محذوف. أي ذلك. أوهو منه.
وقراءة الجماعة ظاهرة.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمنوا يَغْفِرُواْ} جزم على جواب {قُلْ} تشبيهًا بالشرط والجزاء؛ كقولك: قم تُصِب خيرًا.
وقيل: هو على حذف اللام.
وقيل: على معنى قل لهم اغفروا يغفروا؛ فهو جواب أمر محذوف دلّ الكلام عليه؛ قاله عليّ بن عيسى واختاره ابن العربيّ.
ونزلت الآية بسبب أن رجلًا من قريش شتم عمر بن الخطاب فهمَّ أن يبطش به.
قال ابن العربيّ: وهذا لم يصح.
وذكر الواحديّ والقشيريّ وغيرهما عن ابن عباس: أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أُبَيّ في غَزْوة بني المُصْطَلِق. فإنهم نزلوا على بئر يقال لها (المُرَيْسِيع) فأرسل عبد الله غلامه ليستقي. وأبطأ عليه فقال: ما حبسك؟ قال: غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر. فما ترك أحدًا يستقي حتى ملأ قِرب النبيّ صلى الله عليه وسلم وقِرب أبي بكر. وملأ لمولاه.
فقال عبد الله: ما مَثَلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سَمِّن كلبك يأكلك.
فبلغ عمرَ رضي الله عنه قوله. فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله؛ فأنزل الله هذه الآية.
هذه رواية عطاء عن ابن عباس.
وروى عنه ميمون بن مِهران قال: لما نزلت {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] قال يهوديّ بالمدينة يقال له فِنحاص: احتاج ربّ محمد! قال: فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه؛ فجاء جبريل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «إن ربّك يقول لك {قُلْ لِلَّذِين آمنوا يَغْفِرُوا لِلَّذِين لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}».
وأعلمَ أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه. فلما جاء قال: «يا عمر. ضع سيفك» قال: يا رسول الله. صدقت. أشهد أنك أرسلت بالحق.
قال: «فإن ربك يقول: {قُل لِّلَّذِينَ آمنوا يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله}» قال: لا جرم! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي.
قلت: وما ذكره المهدوِيّ والنحاس فهو رواية الضحاك عن ابن عباس. وهو قول القُرَظيّ والسُّدّي. وعليه يتوجه النسخ في الآية.
وعلى أن الآية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المُصْطَلِق فليست بمنسوخة.
ومعنى: {يَغْفِرُوا} يعفوا ويتجاوزوا.
ومعنى: {لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} أي لا يرجون ثوابه.
وقيل: أي لا يخافون بأس الله ونقمه.
وقيل: الرجاء بمعنى الخوف؛ كقوله: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] أي لا تخافون له عظمة.
والمعنى: لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية.
والأيام يعبّر بها عن الوقائع.
وقيل: لا يأمُلون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه.
وقيل: المعنى لا يخافون البعث.
{لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} قراءة العامة {لِيَجْزِيَ} بالياء على معنى ليجزي الله.
وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر {لِنَجْزيَ} بالنون على التعظيم.
وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة {لِيُجْزَى} بياء مضموم وفتح الزاي على الفعل المجهو ل. {وقَوْمًا} بالنصب.
قال أبو عمرو: وهذا لحن ظاهر.
وقال الكسائيّ: معناه ليجزي الجزاءُ قومًا. نظيره: {وكذلك نُنجِي المؤمنين} [الأنبياء: 88] على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة الأنبياء.
قال الشاعر:
ولو ولدَتْ قُفَيْرَةُ جرْوكَلْبٍ ** لَسُبَّ بذلك الجَرْوالكلابا

أي لَسُبَّ السَّبُّ. اهـ.

.قال الألوسي:

{الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر}.
بأن جعله أملس السطح يطفوعليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه {لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} بتسخيره تعالى إياه وتسهيل استعمالها فيما يراد بها. وقيل: بتكوينه تعالى أوبإذنه عز وجل. وسياق الامتنان يقتضي أن يكون المعنى لتجري الفلك فيه وأنتم راكبوها.
{ولتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة والغوص والصيد وغيرها {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ولكي تشكروا النعم المترتبة على ذلك. وهذا أعني {الله الذي سَخَّرَ} الخ ذرك تتميمًا للتقريع ولهذا رتب عليه الأغراض العاجلة فإنه مما يستوجب الشكر غالبًا للكافر أيضًا فكأنه قيل: تلك الآيات أولى بالشكر ولهذا عقب بما يعم القسمين أعني قوله سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي من الموجودات بأن جعل فيها منافع لكم منها ظاهرة ومنها خفية. وعقب بالتفكر لينبه على أن التفكر هو الذي يؤدي إلى ما ذكر من الأولوية ويدل به على أن التفكر ملاك الأمر في ترتيب الغرض على ما جعل آية من الايمان والإيقان والشكر {جَمِيعًا} حال من {مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} أوتوكيد له وقوله تعالى: {مِنْهُ} حال من ذلك أيضًا. والمعنى سخر هذه الأشيئاء جميعًا كائنة منه وحاصلة من عنده يعني أنه سبحانه مكونها وموجودها بقدرته وحكمته ثم مسخرها لخلقه. وجوز فيه أوجه أخر:
الأول أن يكون خبر مبتدأ محذوف فقيل {جميعا} حينئذ حال من المضير المستتر في الجار والمجرور بناء على جواز تقدم الحال على مثل هذا العامل أو من المبتدأ بناء على تجويز الحال منه أي هي جميعًا منه تعالى وقيل: جميعًا على ما كان ويلاحظ في تصوير المعنى فالضمير المبتدأ يقدر بعده ويعتبر رجوعه إلى ما تقدم بقيد جميعًا. والجملة على القولين استئناف جيء به تأكيدًا لقوله تعالى: {سَخَّرَ} أي أنه عز وجل أوجدها ثم سخرها لا أنها حصلت له سبحانه من غيره كالملوك. الثاني أن يجعل {ما في السموات} مبتدأ ويكون هو خبره و{جَمِيعًا} حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور والواقع صلة ويكون {وَسَخَّرَ لَكُمُ} تأكيدًا للأول أي سخر وسخر. وفي العطف إيماء إلى أن التسخير الثاني كأنه غير الأول دلالة على أن المتفكر كلما فكر يزداد إيمانًا بكمال التسخير والمنة عليه. وجملة {مَا فِي السموات} الخ مستأنفة لمزيد بيان القدرة والحكمة.
واعترض بأنه إن أريد التأكيد اللغوي فهو لا يخلومن الضعف لأن عطف مثله في الجمل غير معهود. وإن أريد التأكيد الاصطلاحي كما قيل به في قوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3. 4] فهو مخالف لما ذكره ابن مالك في التسهيل من أن عطف التأكيد يختص بثم. وقال الرضى: يكون بالفاء أيضًا وهو ههنا بالواو ولم يجوزه أحد منهم وان لم يذكروا وجه الفرق على أنه قد تقرر في المعاني أنه لا يجري في التأكيد العطف مطلقًا لشدة الاتصال. واعترض أيضًا بأن فيه حذف مفعول {سَخَّرَ} من غير قرينة وهذا كما ترى. الثالث أن يكون {مَّا في الأرض} مبتدأ و{مِنْهُ} خبره ولا يخفى أنه ضعيف بحسب المساق.
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يكن يفسر هذه الآية. ولعله ان صح محمول على أنه لم يبسط الكلام فيها. فقد أخرج ابن جرير عه أنه قال فيها كل شيء هو من الله تعالى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حيمد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن طوس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله ممن خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأل فقال مثل قول عبد الله بن عمرو فأتي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فسأله مم خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب قال: فمم خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا الارجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف أهل العلم فيما أراد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بذلك فقال البيهقي: أراد أن مصدر الجميع منه تعالى أي من خلقه وابداعه واختراعه خلق الماء أولا أو الماء وما شاء عز وجل من خلقه لا عن أصل ولا عن مثال سبق ثم جعله تعالى أصلًا لما خلق بعده فهو جل شأنه المبدع وهو سبحانه البارئ لا إله غيره ولا خالق سواه اه. وعليه جميع المحدثين والمفسرين ومن حذا حذوهم. وقال الشيخ إبراهيم الكوارني من الصوفية: إن المخلوقات تعينات الوجود المفاض الذي هو صورة النفس الرحماني المسمى بالعماء وذلك أن العماء قد انبسط على الحقائق التي هي أمروعدمية متميزة في نفس الأمر والأنبساط حادث والعماء من حيث اقترانه بالماهيات غير ذات الحق تعالى فإنه سبحانه الوجود المحض الغير المقترن بها فالموجودات صور حادثة في العماء قائمة به والله تعالى قيومها لأنه جل وعلا الأول الباطن الممد لتلك الصور بالبقاء ولا يلزم من ذكل قيام الحوادث بذات الحق تعالى ولا كونه سبحانه مادة لها لأن وجوده تعالى مجرد عن الماهيات غير مقترن بها والمتعين بحسبها هو العماء الذي هو الوجود المفاض فأراد ابن عباس أن الأشيئاء جميعا منه تعالى أي من نوره سبحانه المضاف الذي هو العماء والوجود المفاض منه تعالى بايجاده جل شأنه. وبهذا ينطبق الجواب على السؤال من غير تكلف ولا محذور. ولوكان مراد ابن عباس مجرد ما ذكره البيهقي من أن مصدر الجميع من خلقه تعالى كان يكفي في ذلك قوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَيْء} [الرعد: 16] لكن السؤال إنما وقع بمم ووقع الجواب بمنه في تلاوته الآية فالظاهر أن ما فهمه السائل من تلاوته رضي الله تعالى عنه ليس مجرد ما ذكره بقرينة مدحه بقوله: ما كان ليأتي بهذا الخ فإن ما ذكره البيهقي يعرفه كل من امن بقوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَيْء} فلا يظهر حينئذ وجه لقول كل من ابن عمرو وابن الزبير لا أدري فإنهما من أفضل المؤمنين بأن الله تعالى خالق كل شيء بل ما فهمه هو ما أشرنا إليه اه. وعليه عامة أهل الوحدة {أُرْسِلَ الأولون} بأن مراد ابن عباس قطع التسليل في السؤال بعد ذكر مادة لبعضها بأن مرجع الأمر أن الأشيئاء كلها خلقت بقدرته تعالى لا من شيء وهو كلام حكيم يمدح قائله لم يهتد إليه ابن الزبير. وابن عمرو. ولا يعكر على هذا قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْء} [الطور: 35] لما قاله المفسرون فيه وسيأتي إن ساء الله تعالى في محله فتأمل ذاك والله تعالى يتو لى هداك. وقد أو رد الحسين بن علي بن واقد في مجلس الرشيد هذه الآية ردًا على بعض النصارى في زعمه ان قوله تعالى في عيسى عليه السلام: {وروحٌ منه} [النساء: 171] يدل على ما يزعمه فيه عليه السلام من أنه ابن الله سبحانه وتعالى عما يصفون.
وحكى أبو الفتح وصاحب اللوامح عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو والجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهم قرؤوا {منة} بكسر الميم وشد النون ونصب التاء على أنه مفعول له أي سخر لكم ذلك نعمة عليكم. وحكاها عن ابن عباس أيضًا ابن خالويه.
ولكن قال أبو حاتم: إن سند هذه القراءة إليه مظلم فإذا صح السند يمكن أن يقال فيما تقدم من حديث طاوس: إنه ذكر الآية على قراءة الجمهور ويحتمل أن له قراءتين فيها.
وقرأ مسلمة بن محارب كذلك إلا أنه ضم التاء على تقدير هو أوهي منة. وعنه أيضًا فتح الميم وشد النون وهاء الكتابة عائدة على الله تعالى أي انعامه وهو فاعل {سخر} على الإسناد المجازي كما تقول: كرم الملك أنعشني أوهوخبر مبتدأ محذوف أي هذا أوهو منه تعالى. وجوزت الفاعلية في قرأءته الأولى. وتذكير الفعل لأن الفاعل ليس مؤنثًا حقيقيًا مع وجود الفاصل. والوجه الأول أولى وإن كان فيه تقدير {إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما ذكر {لآيات} عظيمة الشأن كثيرة العدد {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في بدائع صنعه تعالى وعظائم شأنه جل شأنه فإن ذلك يجرهم إلى الإيمان والإيقان والشكر.
{قُل لّلَّذِينَ ءآمنوا يَغْفِرُواْ} حذف المقول لدلالة {يغفروا} عليه فإنه جواب للأمر باعتبار تعلقه به لا باعتبار نفسه فقط أي قل لهم اغفروا يغفروا {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} أي يعفوا ويصفحوا عن الذين لا يتوقعون وقائعه تعالى باعدائه ونقمته فيهم فالرجل مجاز عن التوقع وكذا الأيام مجاز عن الوقائع من قولهم: أيام العرب لوقائعها وهو مجاز مشهور وروي ذلك عن مجاهد أولا يأملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها. والآية قيل نزلت قبل آية القتال ثم نسخت بها.